رسالتي اليوم إليك أيتها الفتاة المقبلة على الدراسة بالجامعة، همسات أهمس بها إليك، وهي معالم تضيء طريقك، فاحفظيها بقلبك وعقلك، واحمليها معك في حقيبتك، وتعلمي منها جِماع الخيرات ورأس الفضائل، وتزوّدي منها بزادٍ يسدُّ حاجاتك لحياةٍ طيبةٍ كريمة..
إنك يا فتاة الجامعة ستحيين حياةً جديدة، وفصولًا مختلفة عن فصول حياتك السابقة، وواقعًا مختلطًا تلبسين له لباسه، وستقابلين يوميًّا أصنافًا شتّى من المدرِّسين والمدرِّسات، وستخالطين كَوكبةً من الطالبات على اختلاف لغاتهم، وأجناسهم، وألوانهم، وطَبائعهم، وقيمهم، وأخلاقهم، ومذاهبهم، وتعدُّد غاياتهم وطموحاتهم وثقافاتهم..
وخلال هذه المرحلة الجديدة من حياتك ستواجهين هبوب الرياح تعصف بأفكارك ومشاعرك، وستراودك خواطر شتّى، ومشاعر متناقضة، وأحلام وآمال، وتجارب وخبرات..
فبماذا تتزوَّدين به يا فتاة الجامعة لهذه المرحلة؟
- إن خير ما تتزوَّدين به لهذه المرحلة ولكل مراحل حياتك هو: زاد التّقوى والإيمان وكما قال سبحانه: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ} [البقرة: 197]، ومصداقا لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
فإيمانك بالله هو بوصلتك وخارطة طريقك، وهو دستورك الذي ينظِّم علاقاتك وصِلاتك بالآخرين، وهو الذي يحكم منهجك، ويرتقي بأسلوبك في التعامل مع كل من ستقابلينهم أو تتعاملين معهم من أساتذة وطلبة..
وإنَّ تقواك هو منهج حياتك، وصَمّام أمانك، وسرُّ قوتك، وهو من سيصونك ويحمي عقلك وقلبك، كما روحك وجسمك، وهو ميزان أقوالك وأفعالك، وكما:
- وإنَّكِ يا فتاة الجامعة ستنتقلين عبر أطوار علمية مختلفة كأطوار حياتك، تفرض عليك أن تخالطي أشخاصا مختلفين عنك، فهم أمامك أو خلفك أو بجانبك، فعليك أن تحافظي على هدفك ورسالتك العلمية، فلا تزلُّ قدمك عن مقصدك، ولا يزيغ فكرك عن غاياتك، ولا تضعف هِمَّتُك، ولا ينقص إيمانك، وتجنَّبي رُكوبَ المهالك حتى لا توشك أن تغرقك في بحر الأهواء والفتن..
- وإنَّكِ يا فتاة الجامعة تحملين على عاتقك رسالةً عظيمة هي رسالة العلم، فاعملي على صيانة أمانتها بمسئولية، والتزمي قاعدةً جليلة هي: أنَّ العلم شجرةٌ والعمل ثمرة، ولهذا تحتاجين خلال مسيرتك العلمية لعقلٍ مفكِّر، وعقلٍ منظَّمٍ يتعلم قبل أن يعمل، وعقلٍ يتزوَّد بالمعرفة نبراسًا ونورًا يجلو صدأ الجهل، قبل أن يتحرَّك اللِّسان بالبَيان، والجوارح بالأعمال، ولهذا لم يكن عبثًا أن يخصِّص الإمام البخاري بابا في كتاب العلم من جامعه الصحيح ويجعل ترجمته: باب العلم قبل القول والعمل، والذي أراد به أن العلم شرطٌ في صِحَّة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدَّمٌ عليهما، لأنه مصحِّحٌ للنية المصحِّحة للعمل، ولأن العلم يورث الخشية: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، ويزيِّن العمل ويرفع درجات صاحبه: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}.
- واحذري الشِّعارات التي تبثُّ سمومَ أفكارها التَّحرُّرية والتَّغريبيَّة، لتَصْرِفك عن رسالتك العلمية، ولتستخدمك مِعْولًا يهدم أركان الدين وقواعده، ولكي ينزعوا عنك حشمتك ووقارك، وأدبك وحياءك، ومثل هؤلاء يريدون للفتاة المسلمة وللشباب المسلم أن يفقد هويته، وينغمس في شهواته، وهم ممن خاطبهم الحق سبحانه فقال: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلًا عظيمًا} [النساء: 27].
وإن الإسلام هو من منحك الحرِّيَّة الحقيقية والمساواة العادلة، في طلب الحقوق والوقوف عند الحدود، والحرِّيَّةَ والمساواة المسئولة التي ترفعك لاسْتِحْقاق منصب القيادة والرِّيادة، بما يتناسب مع رسالتك العلمية، وممارستك لأنشطتك، وقيامك بمسؤولياتك، وتأديتك لوظائفك وِفْق الأُطُر والضَّوابط الشَّرعية، وهذا يجعلك تشعرين بشرفِ التَّكليف، وأن أيَّ تقصيرٍ منك يقود مجتمعك ككُلٍّ نحو الهلاك، وأيُّ إنجازٍ تنجزينه يقوده نحو التَّقَدُّم والرُّقي.
- وأنت يا فتاة الجامعة فردٌ داخل مجموعةٍ علميَّةٍ كبيرة، وقائدةٌ لأقرانك نحو التَّفَوُّق والنَّجاح، واحْتِلالِ مراتبِ الصَّدارة، ومشارِكةٌ لأفرادِ هذه المجموعة من الطالبات والأساتذة الجامعيين، في تحقيق التَّكامل بينكم، والخُضوعِ لقانونٍ إلهيٍّ يضبط علاقاتِكم بضوابطَ شرعية، تؤهِّلُكم لصِناعةِ جيلٍ قادرٍ على الانتصار لعقيدة الإسلام، وجيلٍ محصَّنٍ بالإسلام، يحمل على عاتقه نشر القيم والفضيلة، ويكافح الفساد والرَّذيلة، وجيلٍ طُموحُه نيل الشَهادات العليا في الإبداع، والابتكار، والامتياز، لخدمة الأمَّة الإسلامية وتقدُّمها.
- وأنت الفتاة المسلمة المؤمنة مَنْ تاجُها الحَياء، وعلامَةُ إيمانِها التُّقى والعَفاف، فَلْيَكُن مظْهَرُكِ منسجمًا مع رسالتك العلمية، ولْيَكُنْ لباسُكِ الحجاب الشَّرعي السَّابغ الذي يعكس معدن جوهرك، ومرآة طُهْرِك وعِفَّتِك، وتجنَّبي مظاهر التَّبَرُّج والسُّفور، أو ارتداء الحجاب العصري الذي شاع بكثرة في صفوف الفتيات، والذي تتوفر فيه نفس شروط الزِّينة والجاذبيَّة التي تظهر بها المرأة الحاسِرة المتبرِّجة، بل قد يكون أكثر فتنة، ولْيَكُنْ لباسُكِ لباسَ النساء المؤمنات اللاَّتي خاطبهُنَّ الحق سبحانه فقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
- وكما هو شأن مظهَرِك كذلك شأن سُلوكِك وتصرُّفاتِك ينبغي أن تكون منسجمةً مع مظهرك ولباسك، لا يناقِضُه ولا يسيءُ لسمعتِك ولا لدينِك..
- كما عليك احترام العلاقة التي تربط بينك وبين زملائك من الطلبة، ودكاترة الجامعة، في حدود ما يخدم رسالتك العلمية، ويحافظ على التزامك بالضوابط الشرعية، بعيدًا عن الخضوع في القول: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: من الآية 32- 33].
أو التقليد الغاوي لغيرك من الفتيات في اتِّخاذ الجامعة ملاذًا للتَّحَرُّر من التقاليد والأعراف الاجتماعية، والانْفِلات من الرَّقابَة الأسريَّة، والتَّخَلّي عن تطبيق أحكام الدين والتزاماتِه الشَّرعية، والتَّفكير المنحرف بالحُبِّ والغزل، وإقامة علاقات وصداقات غير شرعية، أو التَّفكير المبكِّر بالزواج سرًّا، أو ترك فصول الدِّراسة واغتنام الساعات في اللَّهو والتَّسلية، وإدمان عاداتٍ سيِّئة
– إنَّكِ يا فتاة الجامعة تصنعين لنفسك ولغيرك بهذه الضَّوابط الشرعيَّة والعلميَّة دستورًا تحافظين به على نفسك وعلى نجاحِ رسالتك، كما تحافظين على روابط المجموعة التي تشاركينها سنوات الدِّراسة والتَّحصيل، وتحْيَيْنَ معهم حياةً طيِّبةً كريمةً عفيفَة، يُجْزَى كلُّ فردٍ منها ذكرًا أو أنثى على عمله الصالح: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُطْلَمونَ نَقِيرا} [النساء: 124]، و{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97].
- وإنَّكِ با فتاة الجامعة قدوةٌ صالحةٌ لغيرك في حَمْلُك لرسالتك العلميَّة بصِدقٍ وأمانَةٍ وإخلاص، ومثالًا يُحْتَذى بك في العِفَّة والحَياء، والاجتهادِ في الارتقاءِ بأخلاقك وأخلاق من معك من النِّساء والفتيات، داعيةً إلى الله بعزيمةٍ أبيَّة، ناصحةً لله ولإماءِ الله من الفتيات، تنفيذًا لوصيَّةٍ نبويَّة: «الدين النصيحة»، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
- إنَّكِ يا فتاة الجامعة تتحرَّكين في هذا الواقع المختلط، وقد اخترت طريقًا شاقًّا وطويلًا، ولا تملكين اختيارًا إلاّ ذاك الاختيار الذي اختاره الله لك ولمن معك، لتحقيقِ الغاية من خَلْقِك ووجودِك وهي تحقيق العبادة بالعلم وبالعمل، وبالقول والفعل، وأن تسعي مع من معك ليعبِّد كُلُّ فرد للآخر طريقَه إلى طاعة الله ومرضاته، ولتتقاسموا جميعا تحمُّلَ هذه المسؤولية، بين مجاهدةِ سنوات الدِّراسة، ومغالبَةِ الفتن والأهواء، والانتصارِ على المعاصي والشَّهوات، ولْيَشُدَّ كلُّ واحدٍ منكم أزر الآخر حتّى تعبُروا هذا الطريق بأمان..
- إنَّكِ يا فتاة الجامعة عابرة سبيل، مهاجرةٌ بعلمك إلى الله، فهو معك رقيبٌ عليك في كلِّ أحوالك، واعْلَمي بأنَّنا في الدُّنيا إمّا مهاجرٌ إلى الله ورسوله، وإما مهاجرٌ إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها، ولكلٍّ وجهةٌ هو مُوَلّيها، فَلْتَكُنْ هجرتك خلال سنوات الجامعة لله ورسوله، وأحْسِني اختيار طريقك، وزادك، ورفقائك، ورسالتك، وانْظُري حيث تتَّجه خطواتك، يا دُرَّةً في سماء العزِّ لامعة..
الكاتب: د. صفية الودغيري.
المصدر: موقع المسلم.